توشكى بين النجاح والفشل

ثمة أزمة حقيقية تتعرض لها الشركات الاستثمارية العاملة في مشروع «توشكى» في مصر، وذلك بعد إعلان دول منابع النيل توقيع اتفاق جديد يشمل تقليص حصة مصر من مياه النيل، ما يؤثر سلباً في خطة الاستثمار الزراعية في مصر بوجه عام، والاستثمارات في «توشكى» بشكل خاص، حيث أصدرت دول منابع النيل بياناً قبل أسبوعين، أعلنت فيه أنها ستبدأ في 14 مايو المقبل إجراءات التوقيع على اتفاقية إطارية للتعاون بين دول حوض النيل منفردة دون مصر والسودان، ما يعني تقليص حصة مصر التاريخية من مياه النيل بما يعود بالضرر على الاستثمارات الزراعية في مصر.

ومن الشركات التي تستثمر في مصر حالياً، شركة «الراجحي» السعودية للاستثمار الزراعي التي تقوم باستصلاح وزراعة 100 ألف فدان في توشكى، وشركة «المملكة» للتنمية الزراعية المملوكة لرجل الأعمال الوليد بن طلال، والتي تقوم باستصلاح نحو 120 ألف فدان في توشكى، والبالغة مساحتها 500 ألف فدان.

وكانت الشركات الاستثمارية العاملة في توشكى قد تعرضت لضغوط حكومية وشعبية خلال الأشهر الماضية بسبب ضآلة الاستثمارات المنفذة بالمشروع رغم مرور 13 عاماً على تخصيص أراضي المشروع للشركات، ما دفع إدارات هذه الشركات لاتخاذ إجراءات سريعة لإحياء المشروع وفق آخر تصريحات لمسؤوليها.

يقول الدكتور حسن أبو الليل، رئيس شركة «البذور» للاستثمارات الزراعية «إن مشروع توشكى يعاني حالياً أزمة ندرة المياه، ما تسبب في تأخير تنفيذ الاستثمارات بالمشروع، على الرغم من وعد الحكومة للمستثمرين بحل مشكلة المياه، لافتاً إلى أن توقيع اتفاق دول منابع النيل يعني تضرر الاستثمارات الزراعية في مصر بوجه عام، والاستثمارات في توشكى بشكل خاص، خصوصاً أن المستثمرين العاملين في المشروع شرعوا أخيراً في تنفيذ خطة لإحياء المشروع المتوقف منذ 13 عاماً».

وأضاف إن الحكومة أنفقت 10 مليارات جنيه منذ إطلاق المشروع دون أن تحقق هذه الأموال أي فائدة حتى الآن، بسبب تقاعس المستثمرين الحاصلين على أراض في المشروع عن ضخ استثمارات حقيقية فيه.

ويرد المهندس رشوان عطا الله، مدير عام الزراعات بمشروع توشكى، مؤكداً أن مشروع توشكى لم يفشل، والحكومة قامت بمخاطبة المستثمرين العاملين بالمشروع لاستصلاح وزراعة الأراضي الحاصلين عليها، مشيراً إلى أن هناك مستثمرين جادين يعلمون الطرق الصحيحة نحو الاستثمار، وأن المشروع يفتح ذراعيه لمثل هذه النوعية من المستثمرين الراغبين في تحقيق خطوات ملموسة نحو التنمية.

وقال إن خير دليل على سلامة الأراضي في توشكى أن إنتاجية الفدان الواحد من محصول الطماطم تصل إلى 14 طناً في العام، نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجو في هذه المنطقة، بخلاف المناطق الأخرى في دلتا مصر.

وأضاف عطا الله إن مشكلة التنمية الزراعية في مشروع توشكى مرتبطة بمحدودية الموارد المائية، ولا ترتبط بوفرة الأراضي، مشيراً إلى وجود مساحات كبيرة في المشروع صالحة للزراعة.

ويؤكد أن هناك استثمارات جادة في توشكى، منها استثمارات شركة «الراجحي» التي حققت تقدماً كبيراً في معدلات استصلاح الأراضى في المساحات المخصصة لها، مقارنة بمعدلات الإنجاز لشركة «الوليد بن طلال»، مشدداً على أن الدولة تشجع المستثمرين الجادين، وتقدم لهم التسهيلات من أجل تحقيق هذا الهدف.

وسبق أن صرح الأمير وليد بن طلال أنه يبحث خطتين إضافيتين بشأن استثماراته في مشروع توشكى، أولهما إدخال مستثمرين جدد من شرق آسيا، وثانيهما طرح نحو نصف الأرض المخصصة له للجمهور المصري للشراكة معه في استصلاح الأراضي.

في الإطار ذاته، أشار الدكتور محمود أبو زيد، وزير الموارد المائية والرى السابق، إلى أنه تم في عهده تنفيذ حوالي 91 بالمئة من البنية الأساسية لمشروع توشكى بتكلفة تفوق 6 مليارات جنيه، وأن المساحة التي تم استصلاحها من أراضي المشروع هي 35 ألف فدان.

وقال في تصريحات صحافية «المشروع يحتاج إلى مزيد من الصبر حتى يحقق الهدف المرجو منه، ولا بد من تضافر الجهود كافة لمساندة الحكومة لتنفيذ مخطط الاستصلاح بصورة تليق بمكانته»، داعياً الخبراء إلى تقديم المقترحات التي يرونها سليمة، بعيداً عن توجيه اللوم إلى الحكومة واتهامها بالفشل في توشكى.

وصف أبوزيد في تصريحات صحافية الهجوم على توشكى بالهجوم على السد العالي، عندما هاجمه الكثيرون، ولم يعرفوا قيمته إلا بعد فترات الجفاف والفيضانات.

وقال «يجب ألا نتعجل بنتائج المشاريع القومية الكبيرة، فتوشكى أكبر المشاريع المصرية التي صدرت لها دراسات جدوى وصل عددها إلى 350 دراسة، منها 14 دراسة جدوى اقتصادية من البنك الدولي، ومركز البحوث الزراعية والمائية، وشركة جنوب الوادي الحكومية، والمكتب الأمريكي والفرنسي، وجهاز الأمم المتحدة للتنمية، إضافة إلى الدراسات البيئية المختلفة التي أكدت أن عائد المشروع ما بين 10 و11 بالمئة».

من جانبه قال الدكتور جمال صيام، مدير مركز الدراسات الاقتصادية في كلية الزراعة جامعة القاهرة «إن مشروع توشكى يواجه مشاكل عدة رغم كونه من أكثر المشاريع الواعدة التي نفذتها الدولة في السنوات الأخيرة، منها مشكلة عدم توافر المياه، وحتى إن تم توفيرها فإن تكلفة توصيلها لأراضي المشروع تكون مرتفعة جداً، كما أن الدولة حددت العام 2017 لانتهاء مراحل المشروع، وحتى تزيد المساحة المزروعة والمستصلحة في مصر إلى 20 بالمئة، وهو موعد يصعب الالتزام به، خصوصاً مع السياسة الخاطئة التي اتبعتها الدولة في توزيع أراضي المشروع على المستثمرين الكبار دون التحقق من جديتهم في استصلاح هذه الأراضي».

وفي هذا الصدد، قال الدكتور محمد نصر علام وزير الري في لقاء للتلفزيون المصري «إن الذين يهاجمون مشروع توشكى لا يعلمون أنه تم تنفيذ أكثر من 95 بالمئة من البنية الأساسية الخاصة به، وفي القريب العاجل سيتم الانتهاء من النسبة المتبقية، وستصل المياه لأراضي المشروع، لأن الحكومة لا تخطط لمشاريع وهمية ولا خاطئة، وإنما تتعامل من خلال خبراء أثبتوا صلاحية أراضي توشكى للاستصلاح الزراعي، وعلى المستثمرين الجادين انتهاز الفرص للبحث عن استثمارات فعلية».

وفي شأن متصل، شرح عبدالمطلب عبدالحميد عميد مركز البحوث الاقتصادية بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، وأستاذ الاقتصاد في معهد التخطيط القومي، أن مشروع توشكى يعد أضخم المشاريع المصرية بعد السد العالي، لكنه حظي باهتمام بالغ بسبب المليارات التي تحدثت عنها الحكومة، وقالت إنها أنفقتها عليه، إضافة إلى طول الفترة الزمنية التي ستنفذها فيها، حيث سينتهي في العام 2017، وهذه فترة ليست قصيرة بالنسبة للبعض، خصوصاً أن هناك شباباً يطمعون في الاستثمار في توشكى، لكن الحكومة تفضل المستثمرين عليهم، وهذا ما خلق نوعاً من النفور لسياسات الحكومة في الطريقة التي تتعامل بها مع الشباب الباحث عن عمل ومصدر رزق ثابت.

وأضاف يجب عدم النظر إلى المشروع نظرة تشاؤمية، ونصفه بالفشل، بينما الحقيقة تثبت العكس، فتوشكى بدأ العمل فيها منذ العام 1977، ووضعت لها خطة بتكاليف باهظة، والحكومة تؤكد أنها انتهت من تنفيذ حوالي 95 بالمئة من البنية الأساسية، وقامت بعمل تُرع تصل بالمياه إلى الأراضي، وهناك شركات أثبتت نجاحها في المشروع، وبدأت في جني ثمار أرباحها من الأراضي التي استصلحتها، لكن ما ينقص المشروع هو المستثمر الجاد، بمعنى أن توشكى تعد استثماراً للكبار فقط، وغير ذلك فعليه البعد عن هذا المشروع العملاق حتى لا يكون سبباً في انتكاسة لم تخطط لها الحكومة من قبل، ومن هنا يظهر دور خبراء الاستثمار، حيث يتم عمل دراسة جادة لكل مستثمر يرغب في استثمار أراض في توشكى حتى لا يحصل على الأرض سوى الجاد فقط، وغير ذلك فعليه الرحيل فوراً.

وطالب عبد المطلب الدولة بإعادة النظر في عقود تمليك الأرض في توشكى للمستثمرين، لأن الوضع الحالي يؤكد وجود أفراد غير جادين حصلوا على مساحات شاسعة من الأرض، ولم يثبتوا جديتهم في استصلاحها، وبالتالي فعلى الحكومة سحب الأرض منهم فوراً وتسليمها لمن يستحق، مع تعديل أسعار الأراضي حتى تتناسب تكلفة المشروع مع عائد البيع، فمن غير المعقول أن تنفق الدولة عشرات المليارات على توشكى، وتبيع الفدان بسعر 50 جنيهاً فقط، فأين مكاسب الدولة من هذا المشروع إذا كانت الأسعار بهذه الصورة؟ في الوقت الذي تخطط فيه الحكومة لأن يكون حجم استثمارات المشروع أكثر من 500 مليار جنيه.

وأردف على الحكومة أن تتعلم من أخطائها في العقد الذي أبرمته مع الوليد بن طلال بحيث تحدد فترة زمنية لاستصلاح الأرض، وإذا لم يف المستثمر بوعوده خلال هذه المدة تسحب منه الأرض فوراً، ويدفع شرطاً جزائياً نظير استغلال الأرض في غير غرضها، وتسلم بعدها لمستثمر آخر أكثر جدية، وتمنحه امتيازات كبيرة تشجيعاً له على الاستثمار بصورة سريعة، ويتم استصلاح أراضي المشروع في فترة زمنية قصيرة، مع ضرورة أن تفتح الحكومة أبوابها لأي مستثمر جاد يود الاستصلاح في المشروع، حتى تحسن من صورتها أمام الشعب الذي يشعر باليأس بسبب كثرة الأحاديث التي تؤكد فشل المشروع قبل أن يبدأ.

وقال «إذا لم يحدث ذلك ستدخل الحكومة في نزاع طويل مع الرأي العام المصري».